تعتبر صورة العدالة التي أبدعها ألفريدو سيشياتي Alfredo Ceschiatti أمام المحكمة الاتحادية العليا في برازيليا إحدى الصور الرئيسية للعدالة البرازيلية التي تشرح العلاقة بين عناصر الصورة والمعاني الخيالية للعدالة كمفهوم مثالي في الوعي العام .
وتعتبر الدراسة التي أجراها Sebastião Cruz سباستيان كروز واحدة من أكثر الدراسات إثارة للإهتمام فيما يخص صور العدالة ،حيث يقول باختصار بأن ما يميز تمثيلات العدالة الرومانية واليونانية هو الحواس: (السمع والبصر) ومن ناحية أخرى يُظهر الرومان العدالة معصوبة العينين وكأن مفهومهم للقانون قد تمت إحالته سلفاً إلى الدراية والحكمة لا إلى البحث والتقصي .
إن تمثيل العدالة هو أحد وسائل الإشارة ماديًا إلى فكرة مجردة ولذلك نجد بأن كل عنصر من العناصر الموضوعة في صور التماثيل والنُصُب التي تمثل العدل هو عنصر مهم لتوصيل فكرة وماهية ومفهوم العدل بشكل عام .
فمثلاً السيف يعني القوة أو بالأحرى إمكانية استخدام العدالة للقوة من أجل احترام القانون والميزان يعني العادلة والتوازن و أداة القياس وهو أحد العناصر الرئيسية لرمزية العدالة.
هناك الكثير من النقاش حول هذه العناصر لأنها تختلف اختلافا كبيرا فيما بينها من حيث الدلالة الرمزية ومع ذلك فهنالك من أثار النقاش حول نقاط أخرى مثيرة للاهتمام مثل حقيقة أن العدالة امرأة وكيف يتم تمثيل هذه الإمرأة ؟ في وضعية الجلوس أم الوقوف ،تحمل الميزان أم تشهر السيف ،معصوبة العينين أم عارية ؟
في تمثال العدالة البرازيلي نري أن النحات Alfredo Ceschiatti ألفريدو سيشياتي والذي ينحدر من ولاية ميناس البرازيلية قد صور العدل كامرأة جالسة معصوبة العينين مبنية على كتلة واحدة من الجرانيت ليظهر العدالة بمظهر الصلابة والوحدة الشكلية الغير مجزأة لنفهم بأن عدالة Ceschiatti هي تمثيل امرأة تقف بين المجموع بشكلها المجرد ليذكرنا بأشكاله "المجردة" ونصبه التذكارية العامة التي زينت مباني اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابقة.
ويمكن للمراقب الذي يقف قطريًا أن يرى بوضوح مقعدًا يجلس فيه العدل ليس لديه أذرع أو أرجل أو مسند ظهر وفي هذا رجوع إلى مفهوم العرش في حين يتم إخفاء العناصر الرئيسية لهذا العرش !
بالإضافة إلى ذلك يمكننا أن نرى عنصراً أخر وهو ( البُعد ) حيث أن عدالة Ceschiatti تتجاوز النطاق البشري في مظهرها وحجمها فتبدو متناغمة مع البناء الضخم للمحكمة العليا ،فهي نصب تذكاري من المقاييس غير البشرية يدهش البشر ببساطتة وعظمته ،فأن لا تكون مساويا للإنسان هو محاولة أن تكون مساويا للإله ولكن عدالة Ceschiatti ليست في البداية تمثيلًا لأي من آلهة العدالة على وجه التحديد ولكن يبدو أنها أقرب إلى ذلك بسبب نسبها غير البشرية ،ومن الجريء أن يكون هذا النوع من الأعمال الفنية قد نصب أمام المحكمة الفيدرالية العليا والتي تعتبر أعلى محكمة قضائية في البرازيل .
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن القدمين والثديين العاريين يشيران إلى الإنسانية المزدهرة ،كما يمكن أن يمثل الثديان العاريان شعاراً للأيقونات الكلاسيكية وتمثيلات الحرية وبالأخص إذا ما كان مرجع الفنان هو التماثيل اليونانية في فترتها الكلاسيكية التي تم فيها تصوير أغلب الرموز العليا بصورة العري التام ولهذا السبب يبدو أن الصدور العارية لعدالة Ceschiatti لها علاقة أكبر بالحرية.
يتم وضع قدمي العدالة لدى Ceschiatti أمام بعضها البعض مما يشير إلى إمكانية الحركة إذ لا يبدو أن القدمين ولا الوضع المستقيم للغاية للعمود الفقري يشيران إلى وضع الراحة ،كما قد يعتقد المرء في البداية.
ولكن العدالة التي تُفهم الآن على أنها أجهزة القضاء ينظر إليها معظم البرازيليين على أنها عدالة بطيئة لا تزال جالسة وذلك لأن بعض الإجراءات القضائية في البرازيل تستغرق سنوات حتى تنتهي ،الأمر الذي ساهم في التخيل الاجتماعي لبطء العدالة في البلاد حيث تعتبر البرازيل دولة تستغرق الإجراءات القانونية فيها وقتًا طويلاً ،ومع ذلك لا يمكن إنكار أن عدد القضايا التي تم البتّ فيها ضخمة للغاية وقد تصل إلى ملايين القضايا سنويًا في كل هيئة قضائية تقريبًا ،ولكن ونتيجة لذلك أيضاًً ازداد عدد القضايا بشكل أكبر مما يستطيع الجهاز القضائي البيروقراطي التعامل معه مما زاد من التأخير في إنهاء العملية القضائية البرازيلية .
ومن ناحية أخرى نلاحظة أن النص القانوني لا ينص على أن العملية يجب أن تكون سريعة ولكن يجب أن تستغرق وقتًا معقولاً يمكن أن يسمح بتحليل كل حالة على حدة ،وهو أمر معقول لأن العمليات تختلف اختلافًا كبيرًا من حيث المدة وذلك اعتمادًا على درجة تعقيدها في المرتبة الأولى .
وفي جميع الأحوال يمكننا أن نستنتج بأن تمثال العدالة البرازيلي الأكثر شهرة لا يمثل صورة للعدالة بشكل يوازي الصورة التي يمتلكها جزء كبير من سكان البرازيل في مثلهم العليا هذه الأيام .
Comments